هتفتْ بذلك حانقةً وهي تنظّف فناء البيت، وأكملت: كان من المفترض الآن أن أذهب إلى حفلة صديقتي وأستمتع بها بدلاً من العمل هكذا كالخادمات.. إني أجلس في البيت مثل جدتي تماماً، الفارق الوحيد أني أعمل وهي لا!... لم تَكَد تكمل هذه الكلمات حتى ناداها صوت أمها: أسماء، تعالَيْ بسرعة.
أخذت أسماء نفَساً طويلاً وذهبت بوجهٍ حاولت أن يكون طَلْقاً، لم تنتبه أمها لشيء... لكنها قالت: جهّزي لجدتكِ الفراش، إنها تريد النوم! إبتلعت أسماء ريقها محاولةً كظم غيظها، وذهبت لترتيب فراش جدتها، عندما إنتهت قالت لها جدتها بصوت مرتعش: الله يرضى عليكِ يا أسماء.
كسر هذا الدعاء جزءًا من جدار الضيق الذي تعيشه، وعندما عادت إلى أمها مخبرةً إياها بإتمام العمل قالت بإستبشار: الله يرضى عليكِ يا أسماء! بإرتياحٍ أكثر، واصلتْ أسماءُ عملها.. ثم إتجهت للنوم محاولةً ألاّ تسمع صوت عقلها ونفسها المتضاربَيْن.. لكنها في الصباح ومع أذان الفجر، لم تستطع إلا التفكير فيما جرى.. وبدأ ضميرها يهدر بالعمل: كم عدد المرات التي سمح لك أهلك فيها بالخروج لإحتياجاتك الخاصة، ودراستك ثم عملك، وحتى ترفيهك دون أن يعارضوا ذلك، بل وتحملوا المتاعب لأجلك، كي تعيشي سعيدة مرتاحة حرة؟ لماذا تظلمينهم حين يرفضون لك طلباً واحداً، وأنت تعلمين أنهم لم يفعلوا ذلك إلا لحاجتهم الشديدة لكِ أو حرصاً على مصلحتك؟ أين البِرّ؟! وهل نسيتِ كيف فضّل الحبيب صلى الله عليه وسلم بِرّ الوالدين على الجهاد في سبيل الله رغم ما له من أجر؟
هل تظنين أن عبادة الله تكون بالصلاة والصيام فقط، ثم تضعين سلوككِ جانباً؟! هيّا.. قومي إلى يومكِ بجدّ وإجتهاد، ولا تنسَيْ أن تُعطي مساحةً لأهلك كما يعطونكِ وإخوتك هم كل مساحة حياتهم، وتذكّري.. أنكِ كلما أعطيتهم أكثر، سيعطونك أكثر فأكثر.. وسيرتفع رصيدكِ لديهم حتى تُجاب كلّ طلباتك....
هزّت أسماء رأسها بهدوء وإبتسمت، ثم قامت إلى الصلاة ودعت الله في سجودها: اللهم إجعلني قرّة عينٍ لوالديّ، وإرحمهما.. كما ربياني صغيرة.
بقلم: أروى سمير الحلو.
المصدر: موقع منبر الداعيات.